ثروة أحمد عز 40 مليار جنيه.. من أين لك هذا؟
ولد المهندس أحمد عز في شهر يناير ولكنني من باب الموضوعية اقترح عليه أن يحتفل بعيد ميلاده في شهر مارس. فقد شهد مارس الميلاد الحقيقي لامبراطور الحديد أحمد عز. في هذا الشهر تولي عز رئاسة مجلس إدارة شركة الدخيلة. في هذا الشهر سلمته حكومة عاطف عبيد مصير الشركة العملاقة رغم انه كان لا يملك سوي 20% من اسهم الشركة بينما تملك الدولة أكثر من 45% من اسهمها.
قبل ذلك التاريخ كان المهندس عز اسما لامعا في عالم الحديد من خلال مجموعة العز للحديد ومصانعها في مدينة السادات ولكن هذه المصانع لم تكن قادرة ان تحول احلامه للسيطرة علي سوق الحديد إلي حقيقة. الدخيلة هو الاسانسير الذي ما ان ركبه عز حتي انطلق بسرعة الصاروخ إلي عالم القوة والنفوذ والمليارات، والتي قدرها النائب المعارض «طلعت السادات» بنحو 40 مليار جنيه. ورغم ان الرقم يصيب أي مواطن بالصدمة وربما بأزمة قلبية إلا انني سأحاول تجاوز كل مشاعر الدهشة والغيظ والحسد لأعبر إلي القضية الأهم والأخطر. وهي هل شارك المصريون البسطاء بأموالهم وضرائبهم وثروة القطاع العام في تضخم هذه الثروة؟ هل كون عز ملياراته أو ملايينه بالجهد الشخصي والذكاء الخارق فقط أم بمساندة حكومية ومباركة حزبية؟!
لم تكن الدخيلة مجرد مصنع لانتاج الحديد فهي اكبر وأضخم مشروع صناعي شاركت فيه الدولة بنحو 45% للدخيلة ميناء ضخم،وأكبر مخازن وأضخم خطوط انتاج. ورغم كل ذلك فان الاهم ان شركة الدخيلة بدأت خطة طموحة ومهمة بدأت تخطط لانتاج «البيليت» وهو الخام الذي يصنع منه حديد التسليح. وكان الغرض من ذلك أن توفر الدخيلة «البيليت» لكل الشركات المصرية بدلا من استيراده من الخارج. وذلك لتوفير فارق الاسعار بين إنتاج البيليت محليا واستيراده بهدف تخفيض سعر حديد التسليح.
وبالطبع واجهت الشركة مشكلة تمويل خطوط انتاج البيليت. وتم الاتفاق مع الحكومة علي تأجيل دفع الشركة للجمارك المستحقة عليها وذلك بتقديم خطاب ضمان مصرفي بالمبلغ، وكذلك حصلت الشركة بمساعدة الحكومة علي قرض من صندوق الإنماء الكويتي باكثر من 300 مليون جنيه ووافق مجلس الشعب علي القرض. ولكن القرض تاه في دهاليز الحكومة ومصلحة الجمارك قامت فجأة بتسييل خطاب الضمان. وهكذا تم إدخال الشركة في أزمة مالية عنيفة. وهذان القراران كانا ركيزة النائب السابق أبو العز الحريري في استجوابه الشهير لاتهام حكومة عبيد بالتواطؤ مع أحمد عز. وبني الحريري اتهامه علي حقيقة ان الشركة اضطرت بسبب هذين القرارين إلي ادخال المهندس أحمد عز بحصة في الشركة عبر زيادة رأس المال. وهو ماحدث بالفعل، وفي 9 مارس عام 2000 خطا عز خطوة جبارة عندما عين رئيساً لمجلس إدارة شركة الدخيلة رغم ان حصته كانت 20% فقط من الشركة مقابل 45% للدولة أي أن الحكومة تخلت في خطوة تثير الدهشة والريبة عن رئاسة وإدارة الشركة للمهندس أحمد عز.
ويزيد من الريبة أن رئاسة عز «للدخيلة» كانت تحمل خرقاً لا لبس فيه لقاعدة «تعارض المصالح» فعز يملك - أو يشارك- في مجموعة العز وقد خيلة ومتحكما في ادارتها فكان عز يفاوض عز حينما تشتري شركاته الخاصة «للبيليت» من الدخيلة. وفي ذلك الاطار حدثت واقعة شهيرة عندما تقدم أولاد بشاي أحد منافسي عز بشكوي إلي وزير الاقتصاد د. يوسف بطرس غالي بانه يجد معوقات ومشكلات في شراء «البيليت» من الدخيلة. وقد نشر الرسالة أو الشكوي الاستاذ إبراهيم سعدة رئيس تحرير جريدة «أخبار اليوم». وتكشف الشكوي عن أول تعارض المصالح في تولي عز قيادة الدخيلة، فعز اصبح هو المتحكم في توزيع البيليت علي جميع مصانع الحديد. وفي تصرف آخر مثير للريبة عندما أصر د.يوسف بطرس غالي علي فرض رسوم إغراق علي استيراد الحديد من العديد من الدول. وهكذا اصبح المصنعون المصريون بين مطرقة «عز» و«سنداس» رسم غالي، باختصار تم احكام القبضة الحديدية علي هذا السوق الاستراتيجي.
بعد عدة اشهر من تولي عز رئاسة مجلس إدارة الدخيلة خطا خطوة أخري جبارة عندما اعلن عما اسماه بالتحالف بين مجموعة العز وشركة الدخيلة. وبمزج الاسمين معا حقق عز دون أي مجهود ارباحا تصل إلي مليار جنيه سنويا. القصة بسيطة فاسعار حديد الدخيلة هي الاغلي لجودته وسمعته وكانت اغلي من اسعار «العز» بنحو 100 جنيه ومجموعة عز تنتج نحو مليون طن سنويا. ولذلك فان الزواج غير الشرعي بينهما كان لصالح مجموعة العز لانه رفع سعر الطن وأصبح يتساوي مع سعر حديد الدخيلة.
وفي خطوة أخري -وبمباركة الحكومة طبعا- تم توحيد قطاعات (المبيعات والمشتريات والمجالات الفنية) بين شركات العز ومجموعة الدخيلة. «علي بلاطة» فتحوا الشركتين علي بعض وفي ذلك الوقت واصل عز زيادة حصته إلي 35% من الشركة.
وفي كل هذه المراحل كانت اسعار الحديد ترتفع بجنون وتحول حلم الدخيلة بتخفيض سعر حديد التسليح إلي كابوس يتحمل ثمنه المواطن وافلست شركات مقاولات. وفي عام 2005 وصل السعر إلي جنون أكبر من أن تتحمله موازنة الدولة نفسها لأن زيادة سعر طن الحديد لاكثر من 1000 جنيه أعجزت الحكومة نفسها في خطة عن بناء مدارس ومستشفيات وخاصة مواسير الري. وبلغ الضيق الحكومي مداه حتي أن حزب الحكومة قرر للمرة الأولي - وربما الأخيرة- التخلي عن نجمه المفضل والصاعد أحمد عز فوافقت اغلبية الحزب الوطني في المجلس علي تشكيل لجنة مشتركة (لجان الصناعة والإسكان والاقتصاد) في مجلس الشعب لبحث ارتفاع سعر الحديد وكلف مجلس الشعب ايضا الجهاز المركزي للمحاسبات باعداد تقرير عن اسباب الظاهرة، واعد الجهاز تقريرا تكميليا. في ذلك الوقت كان عز يرأس لجنة الخطة والموازنة وعضواً مهماً في امانة السياسات ويسيطر علي قرارات نحو 60% من سوق الحديد وتناولت الاجتماعات بعض وقائع استجواب ابو العز. وحكاية تحالف عز والدخيلة. وقد اثبت الجهاز المركزي للمحاسبات ان تكلفة سعر الطن في مصر تتراح ما بين 1125 إلي 2000 جنيه ولكن الحديد كان قد قارب سعر الطن منه 3000 جنيه!! بل ان الجهاز المركزي أوصي بضرورة الاسراع باصدار قانون المنافسة ومنع الاحتكار. وكذلك الاسراع بإلغاء رسوم الاغراق علي واردات مصر من الحديد. ولكن يبدو أن غضب الحكومة لم يصل علي «عز» إلي درجة الغليان فقد انتهت الدورة البرلمانية ومجلس الشعب كله دون ان يناقش التقرير النهائي.
وحين دخل عز المجلس للمرة الثانية كان قد رفع نسبته في الدخيلة إلي 51% أي أنه تحكم قانونا في مجلس الإدارة وصار وضعه كرئيس مجلس الإدارة طبيعيا وتقدر الدخيلة الآن باكثر من 25 مليار جنيه نظرا لضخامة اصولها يملك عز أو شركاته نصفها.
وبعيدا عن الحسد واضافة ارباح بيع الحديد فان الحكومة لاتزال مطالبة بتفسير ترك رئاسة شركة الدخيلة لأحمد عز طوال ثلاث سنوات دون ان يكون صاحب الحصة الاكبر من الاسهم. مطالبة بان تقدم تفسيراً لمحاولتها الناجحة لافقار الدخيلة وهو السبب الرئيسي لوصول نسبة عز لـ20%؟ مطالبة بأن تفسر لماذا تأخر قانون الاحتكار ولماذا تأخر الغاء رسوم الإغراق؟ مطالبة بتفسير لماذا لم تحارب أو حتي تعارض ارتفاع اسعار الحديد الذي خرب بيوتنا وان كان قد اثري آخرين. وعلي رأسهم المهندس أحمد عز؟. نريد ان نعرف هل كانت شركات العز تعامل نفس معاملة الشركات الأخري في تعاملها مع الدخيلة حينما كان عز يرأس مجلس إدارتها؟ هل استفادت من الوضع الغريب المزدوج لعز؟؟.
ادرك ان احمد عز قدم مستندات تؤكد عدم مخالفات للدستور والقانون لان رئاسته للشركة سابقة علي عضويته لمجلس الشعب؟ ولكن من باب المشاركة في الحوار هل لدي عز تفسير للمعاملة الخاصة جدا والمتميزة جدا التي حظي بها في الدخيلة والتي مكنته من أن يصبح امبراطور الحديد في مصر؟!
الرئيسية 
