الحديث العاشر:
الحَلال الطَّيِّبُ شَرطُ القَبول
أهمية الحديث
مفردات الحديث
المعنى العام (1-الطيب المقبول 2-كيف يكون العمل مقبولاً 3-كيف يخرج المسلم من الحرام 4-أسباب إجابة الدعاء 5-ما يمنع من إجابة الدعاء )
ما يستفاد من الحديث
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضي اللهُ عنه قال: قاَل رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : "إنَ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلا طَيِّباً، وإنَّ الله أَمَرَ المُؤمِنينَ بِمَا أَمَرَ به المُرْسَلينَ فقال تعالى: {يا أَيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيَّباتِ واعمَلُوا صالحاً} [المؤمنون: 51] وقال تعالى: {يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ} [البقرة: 172] ثُمَّ ذ*sxs*رَ الرَّجُل يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ يا رَبُّ يا رَبُّ، ومَطْعَمُهُ حَرَامٌ، ومَشْربُهُ حَرَامٌ، وغُذِّيَ بالحَرَامِ، فأَنَّى يُسْتَجَابُ لهُ". رَوَاهُ مُسْلمٌ.
أهمية الحديث:
هذا الحديث من الأحاديث التي عليها قواعد الإسلام ومباني الأحكام، وعليه العمدة في تناول الحلال وتجنب الحرام، وما أعمَّ نفعه وأعظمه في إيجاد المجتمع المؤمن الذي يحبُّ فيه الفرد لأخيه ما يحب لنفسه، يكره لأخيه ما يكره لنفسه، ويقف عند حدود الشرع مكتفياً بالحلال المبارك الطيب، فيحيا هو وغيره في طمأنينة ورخاء.
مفردات الحديث:
"إن الله طيب": أي طاهر منزه عن النقائص.
"لا يقبل إلا طيباً": لا يقبل من الأعمال والأموال إلا ما كان خالصاً من المفسدة، أو حلالاً.
"أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين": سوَّى بينهم في الخطاب بوجوب أكل الحلال.
"أشعث": جَعْد شعر الرأس لعدم تمشيطه.
"أغبر": غَيَّر الغبار لون شعره لطول سفره في الطاعات كحج وجهاد.
"يمد يديه إلى السماء": يرفع يديه إلى السماء داعياً وسائلاً الله تعالى.
"فأنى يُستجاب له": كيف ومن أين يُستجاب لمن كانت هذه صفته.
المعنى العام:
1- الطيب المقبول: يشمل الأعمال والأموال والأقوال والاعتقادات:
فهو سبحانه وتعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً طاهراً من المفسدات كلها كالرياء والعجب.
ولا يقبل من الأموال إلا ما كان طيباً حلالاً.
ولا يصعد إليه من الكلام إلا ما كان طيباً، قال الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10].
والمؤمن كله طيب قلبه ولسانه وجسده بما يسكن في قلبه من الإيمان، وظهر على لسانه من الذكر، وعلى جوارحه من الأعمال الصالحة التي هي ثمرة الإيمان.
كيف يكون العمل مقبولاً طيباً: إن من أعظم ما يجعل عمل المؤمن طيباً مقبولاً طِيْبُ مَطْعَمِه وحِلّهِ، وفي الحديث دليل على أن العمل لا يُقبل إلا بأكل الحلال، وأن الحرام يُفسد العمل ويمنع قَبوله.
وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال الله تعالى: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً} وقال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} . ومعنى هذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال وبالعمل الصالح.
"لا يقبل إلا طيباً" فالمقصود هنا نفي الكمال المستوجب للأجر والثواب في هذه الأعمال، مع أنها مقبولة من حيث سقوط الفرض بها من الذمة.
كيف يخرج المسلم من الحرام: يتخلص المسلم من المال الحرام بعد العجز عن معرفة صاحبه أو العثور عليه بالتصدق به، والأجر لمالكه.
أسباب إجابة الدعاء:
إطالة السفر: ومجرد السفر يقتضي إجابة الدعاء، فقد روى أبو داود وابن ماجه والترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده". والانكسار من أعظم أسباب إجابة الدعاء.
مد اليدين إلى السماء: وهو من آداب الدعاء، روى الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى حَيِيٌّ كريم، يستحي إذا رفع الرجلُ إليه يديه أن يَرُدَّهما صفراً خائبتين".
الإلحاح على الله عز وجل: وذلك بتكرير ذكر ربوبيته سبحانه وتعالى.
ما يمنع إجابة الدعاء: أشار صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى أن التوسع في الحرام أكلاً وشرباً ولبساً وتغذية يمنع إجابة الدعاء.
ما يستفاد من الحديث: يرشد الحديث إلى الحث على الإنفاق من الحلال، والنهي عن الإنفاق من غيره.
أن من أراد الدعاء لزمه أن يعتني بالحلال في مأكله وملبسه حتى يُقبل دعاؤه.
يَقْبَل الله من المؤمنين الإنفاق من الطيب ويُنَمِّيه، ويُبَارِك لهم فيه.
الحديث الحادي عشر:
الأَخذ باليَقِينِ والبُعْدُ عَن الشُّبُهات
مفردات الحديث
المعنى العام
1-تعارض الشك واليقين 2-الصدق طمأنينة والكذب ريبة )
ما يستفاد من الحديث
عَنْ أَبي مُحمَّدٍ الحسَنِ بْنِ عليّ بْنِ أبي طَالِب، سِبْطِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَيْحَانَتِهِ رضيَ اللهُ عنهُما، قالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْ ما يَرِيبُكَ إلى مَا لاَ يَرِيُبكَ" روَاهُ التِّرْمِذيُّ وَالنَّسَائي، وقالَ التِّرْمِذي : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
مفردات الحديث:
"دع ما يَرِيبك ": دع ما تشك فيه من الشبهات.
"إلى ما لا يَرِيبك" إلى ما لا تشك فيه من الحلال البَيِّن.
المعنى العام:
إن ترك الشبهات في العبادة والمعاملات والمناكحات وسائر أبواب الأحكام، والتزام الحلال في كل ذلك، يؤدي بالمسلم إلى الورع، وقد سبق في الحديث السادس أن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، وأن الحلال المتيقَّن لا يحصل للمؤمن في قلبه منه شك أو ريب، أما الشبهات فيرضى بها الإنسان ظاهراً، ولو كَشَفْنَا ما في قلبه لوجدنا القلق والاضطراب والشك، ويكفيه هذا العذاب النفسي خسارة معنوية، والخسارة الكبرى والهلاك الأعظم أن يعتاد الشبهات ثم يجترئ على الحرام، لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.
تعارض الشك واليقين: إذا تعارض الشك مع اليقين، أخذنا باليقين وقدمناه وأعرضنا عن الشك.
أما من يخوض في المُحَرَّمات الظاهرة، ثم يريد أن يتورع عن شيء من دقائق الشُّبَه، فإن ورعه هذا ثقيل ومظلم، ويجب علينا أن نُنْكِر عليه ذلك، وأن نُطالبه بالكَفّ عن الحرام الظاهر أولاً، ولذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما لمن سأله عن دم البعوض من أهل العراق: يسألونني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "هما رَيحانتاي من الدنيا"رواه البخاري [حديث رقم: 5994] .
وسأل رجل بشير بن الحارث عن رجل له زوجة وأُمُّه تأمره بطلاقها، فقال: إن كان بَرَّ أُمَّه في كل شيء ولم يَبْقَ من بِرّها إلا طلاق زوجته فليفعل، وإن كان يبرها بطلاق زوجته ثم يقوم بعد ذلك إلى أُمِّه فيضربها فلا يفعل.
الصدق طمأنينة والكذب ريبة:
وعلامة الصدق أن يطمئن به القلب، وعلامة الكذب أن تحصل به الشكوك فلا يسكن القلب له بل ينفر منه.
ما يستفاد من الحديث
ويرشدنا الحديث إلى أن نبني أحكامنا وأمور حياتنا على اليقين.
وأن الحلال والحق والصدق طمأنينة ورضا، والحرام والباطل والكذب ريبة وقلق ونفور .
الحديث الثاني عشر:
الاشتغالُ بِمَا يُفيد
أهمية الحديث
مفردات الحديث
المعنى العام :ما يعني الإنسان وما لا يعنيه
ما يستفاد من الحديث
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مِنْ حُسْنِ إسْلاَمِ الْمَرءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ".حديث حسن ، رواه الترمذي وغيره .
أهميته:
قال ابن رحب الحنبلي: هذا الحديث أصل عظيم من أُصول الأدب.
مفردات الحديث:
"من حسن إسلام المرء": من كمال إسلامه وتمامه، وعلامات صدق إيمانه، والمرء يُراد به الإنسان، ذكراً كان أم أنثى.
"ما لا يعنيه": ما لا يهمه من أمر الدين والدنيا.
المعنى العام:
يحرص الإسلام على سلامة المجتمع، وأن يعيش الناس في وئام ووفاق، لا منازعات بينهم ولا خصومات، كما يحرص على سلامة الفرد وأن يعيش في هذه الدنيا سعيداً، يَألف ويُؤلف، يُكْرَم ولا يُؤذَى، ويخرج منها فائزاً رابحاً، وأكثر ما يثير الشقاق بين الناس، ويفسد المجتمع، ويورد الناس المهالك تَدَخُّل بعضهم في شؤون بعض، وخاصة فيما لا يعنيهم من تلك الشؤون، ولذا كان من دلائل استقامة المسلم وصدق إيمانه تركه التدخل فيما لا يخصه من شؤون غيره.
والمسلم مسؤول عن كل عمل يقوم به، فإذا اشتغل الإنسان بكل ما حوله، وتدخل في شؤون لا تعنيه، شغله ذلك عن أداء واجباته، والقيام بمسؤولياته، فكان مؤاخذاً في الدنيا ومعاقباً في الآخرة، وكان ذلك دليل ضعف إدراكه، وعدم تمكن الخُلُق النبوي من نفسه. وروى ابن حبان في صحيحه: أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر رضي الله عنه : "بحسب امرئ من الشر ما يجهل من نفسه ويتكلف ما لا يعنيه".
وإذا أدرك المسلم واجبه، وَعقَل مسؤوليته، فإنه يشتغل بنفسه، ويحرص على ما ينفعه في دنياه وآخرته، فَيُعْرِض عن الفضول، ويبتعد عن سَفَاسِفِ الأمور، ويلتفت إلى ما يعنيه من الأحوال والشؤون.
والمسلم الذي يعبد الله عز وجل كأنه يراه، ويستحضر في نفسه أنه قريب من الله تعالى والله تعالى قريب منه، يشغله ذلك عما لا يعنيه، ويكون عدم اشتغاله بما لا يعنيه دليل صدقه مع الله تعالى وحضوره معه، ومن اشتغل بما لا يعنيه دل ذلك على عدم استحضاره القرب من الله تعالى، وعدم صدقه معه، وحَبِط عمله، وكان من الهالكين.
رُوي عن الحسن البصري أنه قال: من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه.
ما يعني الإنسان من الأمور وما لا يعنيه: والذي يعني الإنسان من الأمور هو: ما يتعلق بضرورة حياته في معاشه، من طعام وشراب وملبس ومسكن ونحوها، وما يتعلق بسلامته في معاده وآخرته، وما عدا هذا من الأمور لا يعنيه: فمما لا يعني الإنسان الأغراض الدنيوية الزائدة عن الضرورات والحاجيات: كالتوسع في الدنيا، والتنوع في المطاعم والمشارب، وطلب المناصب والرياسات، ولا سيما إذا كان فيها شيء من المماراة والمجاملة على حساب دينه.
الفضول في الكلام مما لا يعني، وقد يجر المسلم إلى الكلام المُحَرَّم، ولذلك كان من خُلُق المسلم عدم اللَّغَط والثرثرة والخوض في كل قيل وقال. روى الترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلام ابن آدم عليه لا له، إلا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذكر الله تعالى".
ما يستفاد من الحديث: أن من صفات المسلم الاشتغال بمعالي الأمور، والبعد عن السَفاسِفِ ومُحَقِّرَات الشؤون.
وفيه: تأديب للنفس وتهذيب لها عن الرذائل والنقائص، وترك ما لا جدوى منه ولا نفع فيه.
الحديث الثالث عشر:
أُخُوَّةُ الإِيمَانِ واْلإسْلاَمِ
مفردات الحديث
المعنى العام
1-تماسك المجتمع المسلم والمحبة والود فيه 2-الإيمان الكامل)
ما يستفاد من الحديث
عن أبي حَمْزَةَ أَنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنه خادِم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يُؤمِنُ أحَدُكُمْ حتى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسه". رَواهُ البُخاري ومُسلم.
مفردات الحديث:
"لا يؤمن": الإيمان الكامل.
"أحدكم": من يدعي الإيمان والإسلام منكم.
"لأخيه": المسلم والمسلمة، وقيل : لأخيه الإنسان.
"ما يحب لنفسه": مثل الذي يحبه لنفسه من الخير.
المعنى العام:
تماسك المجتمع المسلم والمحبة والود فيه: يهدف الإسلام أن يعيش الناس جميعاً متوادين ومتحابين، يسعى كل فرد منهم في مصلحة الجميع وسعادة المجتمع، حتى تسود العدالة، وتنتشر الطمأنينة في النفوس، ويقوم التعاون والتضامن فيما بينهم، ولا يتحقق ذلك كله إلا إذا أراد كل فرد في المجتمع لغيره ما يريده لنفسه من السعادة والخير والرخاء، ولذا نجده صلى الله عليه وسلم يربط ذلك بالإيمان، ويجعله خَصْلَة من خِصَاله.
الإيمان الكامل: إن أصل الإيمان يتحقق بتصديق القلب الجازم، وإذعانه لربوبية الله عز وجل، والاعتقاد ببقية الأركان، من الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقضاء والقدر، ولا يتوقف أصل الإيمان على شيء سوى ذلك. وفي هذا الحديث يبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإيمان لا ترسخ جذوره في النفس، ولا يتمكن من القلب، ولا يكمل في صدر المسلم، إلا إذا أصبح إنسان خير، بعيداً عن الأنانية والحقد، والكراهية والحسد، ومما يحقق هذا الكمال في نفس المسلم:
أن يحب لغيره من الخير المباح وفعل الطاعات ما يحبه لنفسه، وأن يبغض لهم من الشر والمعصية ما يبغضه لنفسه أيضاً.
أن يجتهد في إصلاح أخيه المسلم، إذا رأى منه تقصيراً في واجبه، أو نقصاً في دينه.
روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحبَّ أن يُزَحْزَحَ عن النار ويَدخلَ الجَّنة، فلتدركْه مَنِيَّتُهُ وهو مؤمنٌ بالله واليوم الآخر، ويأتي إلى الناس الذي يُحبُّ أن يُؤتى إليه".
من كمال الإيمان في المسلم أن لا يقتصر في حب الخير لغيره وبغض الشر له على المسلم فحسب، بل يحب ذلك لغير المسلم أيضاً، ولا سيما الإيمان، فيحب للكافر أن يسلم ويؤمن، ويكره فيه ويبغض له الكفر والفسوق، قال عليه الصلاة والسلام: "وأَحِبَّ للناس ما تُحبُّ لنف*sxs* تكنْ مسلماً " رواه الترمذي. ولهذا كان الدعاء بالهداية للكافر مستحباً.
في هذا الحديث حثُّ منه صلى الله عليه وسلم لكل مسلم، أن يحمل نفسه على حب الخير للناس، ليكون ذلك برهاناً منه على صدق إيمانه وحسن إسلامه. وهكذا تسري المحبة بين الناس جميعاً، وينتشر بينهم الخير.
أما المجتمع غير الإيماني فهو مجتمع أناني بغيض: إذا ذبل الإيمان في القلوب وانتفى كماله وانتفت محبة الخير للناس من النفوس، وحل محلَّها الحسدُ ونية الغش، وتمكنت الأنانية في المجتمع، وأصبح الناس ذئاباً بشرية، وانطبق على مثل هذا المجتمع قول الله عز وجل: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 21] فهذا المجتمع إلى خراب وزوال.
ما يستفاد من الحديث
الحث على ائتلاف قلوب الناس، والعمل على انتظام أحوالهم، وهذا من أهم ما جاء الإسلام من أجله وسعى إليه.
التنفير من الحسد، لأنه يتنافى مع كمال الإيمان، فإن الحاسد يكره أن يفوقه أحد في خير أو يُساويه فيه، بل ربما تمنى زواله عنه ولو لم يصل إليه.
الإيمان يزيد وينقص: تزيده الطاعة وتنقصه المعصية.
الحديث الرابع عشر:
حُرْمَةُ دمِ المُسْلِم
مفردات الحديث
المعنى العام
1-القصاص 2-حد الرِّدَّة 3-تارك الصلاة)
ما يستفاد من الحديث
عن ابْنِ مَسْعُودٍ رضي اللهُ عنه قالَ: قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أنْ لاَ إله إلاّ الله وأَنِّي رَسُولُ الله إلاّ بإحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني، وَالنَّفْسُ بالنّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِيِنِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَماعَةِ". رَوَاهُ البخاري ومسلم.
أهمية الحديث :
إذا أصبحت حياة الفرد خطراً على حياة الجماعة، فأصابه المرض وانحرف عن الصحة الإنسانية والسلامة الفطرية، وأصبح جرثومة خبيثة، تَفْتِك في جسم الأمة، وتُفْسِد عليها دينها وأخلاقها وأعراضها، وتنشر فيها الشر والضلال، فقد سقط حقه في الحياة، وأُهدر وجوده، ووجب استئصاله، ليحيا المجتمع الإسلامي في أمن ورخاء. وهذا الحديث من القواعد الخطيرة لتعلقه بأخطر الأشياء وهو الدماء، وبيان ما يحل وما لا يحل، وإن الأصل فيها العصمة.
مفردات الحديث:
"لا يحل دم": أي لا تحل إراقته، والمراد: القتل.
"الثيِّب الزاني": الثيب: من ليس ببكر، يطلق على الذكر والأنثى، يقال: رجل ثيب، وامرأة ثيب، وإطلاقه على المرأة أكثر، والزاني هو في اللغة الفاجر وشرعاً: وطء الرجل المرأة الحية في قُبُلِها من غير نكاح (أي عقد شرعي).
"التارك لدينه": هو الخارج من الدين بالارتداد، والمراد بالدين: الإسلام.
"المفارق للجماعة": التارك لجماعة المسلمين بالرِّدَّة .
المعنى العام:
إنَّ مَن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فأقرّ بوجوده سبحانه ووَحْدانيته، وصدَّق بنبوة خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم واعترف برسالته، فقد عصم دمه وصان نفسه وحفظ حياته، ولا يجوز لأحد ولا يَحِل له أن يُرِيق دمه أو يُزْهِق نفسه، وتبقى هذه العصمة ملازمة للمسلم، إلا إذا اقترف إحدى جنايات ثلاث:
1- قتل النفس عمداً بغير حق.
2- الزنا بعد الإحصان، وهو الزواج.
3- الرِّدَّة.
أجمع المسلمون على أن حد زنى الثيب (المحصن) الرجم حتى يموت، لأنه اعتدى على عرض غيره، وارتكب فاحشة الزنا، بعد أن أنعم الله عز وجل عليه بالمتعة الحلال، فَعَدل عن الطيب إلى الخبيث، وجنى على الإنسانية بخلط الأنساب وإفساد النسل، وتنكَّر لنهي الله عز وجل {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا} [الإسراء: 32].
وقد ثبت الرجم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله، فقد روى الجماعة أنه رجم ماعزاً، وروى مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم أمر برجم الغامدية.
وكان الرجم في القرآن الذي نُسِخَ لفظه: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالاً من الله، والله عزيز حكيم".
القصاص: أجمع المسلمون على أن من قتل مسلماً عمداً فقد استحق القصاص وهو القتل، قال الله تعالى: {و*sxs*تَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45]. وذلك حتى يأمن النَّاسُ على حياتهم، وقال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة: 179]. ويسقط القصاص إذا عفا أولياء المقتول.
حد الرِّدَّة: أجمع المسلمون على أن الرجل إذا ارتد، وأصر على الكفر، ولم يرجع إلى الإسلام بعد الاستتابة، أنه يُقتل، روى البخاري وأصحاب السنن: عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ بَدَّلَ دينَه فاقتلُوه".
تارك الصلاة: وأجمع المسلمون على أن من ترك الصلاة جاحداً بها فقد كفر واعتُبِر مرتداً، وأقيم عليه حد الرِّدة. وأما إذا تركها كسلاً وهو يعترف بفرضيتها فقد اختلفوا في ذلك : فذهب الجمهور إلى أنه يُستتاب فإن لم يتب قتل حداً لا كفراً، وذهب الإمام أحمد وبعض المالكية إلى أنه يقتل كفراً، وقال الحنفية: يُحْبَس حتى يصلي أو يموت، ويُعَزَّر في حبسه بالضرب وغيره. قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [الروم: 31] وقال سبحانه: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزّ*sxs*اةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة". رواه الإمام أحمد ومسلم.
ما يستفاد من الحديث:
أن الدين المعتبر هو ما عليه جماعة المسلمين، وهم الغالبية العظمى منهم.
الحث على التزام جماعة المسلمين وعدم الشذوذ عنهم.
التنفير من هذه الجرائم الثلاثة (الزنا، والقتل، والرده)، والتحذير من الوقوع فيها.
تربية المجتمع على الخوف من الله تعالى ومراقبته في السر والعلن قبل تنفيذ الحدود.
الحدود في الإسلام رادعة، ويقصد منها الوقاية والحماية.
القصاص لا يكون إلا بالسيف عند الحنفية، وقال الشافعية: يُقتل القاتل بمثل ما قَتل به، وللولي أن يَعْدِل إلى السيف.
يتبـــــــــــــــــــــــــــع