ومن حيث إن قضاء النقض الجنائي قد استقر بخصوص خضوع أفراد هيئة الشرطة
لقانون الأحكام العسكرية على أنه " لما كانت المادة 99 من قانون هيئة
الشرطة تنص على " ....." فقد دلت بذلك - و على ما يبين من وضوح عبارات النص
- أنها خاصة بالجرائم النظامية فحسب . و ليس أدل على ذلك من النص على أن
توقع المحاكم العسكرية الجزاءات المقررة في هذا القانون أو في قانون
الأحكام العسكرية و الجزاءات المنصوص عليها في قانون هيئة الشرطة سواء
المتعلقة بالضباط أو بغيرهم كلها جزاءات تأديبية بحتة حتى جزاء الحبس أو
السجن وفقاً لقانون الأحكام العسكرية المنصوص عنه في الفقرة 11 من المادة
80 التي عددت الجزاءات التأديبية التي يجوز توقيعها على أمناء الشرطة و
الفقرة 11 من المادة 92 الخاصة بالجزاءات التي يجوز توقيعها على ضباط الصف و
جنود الدرجة الأولى و كذلك الفقرة 11 من المادة 96 الخاصة بالجزاءات التي
يجوز توقيعها على رجال الخفر النظامين.
ولا يقدح في ذلك ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمادة 99 من القانون
بأنه " ... و توقع المحاكم العسكرية متى انعقد لها الاختصاص الجزاءات
المقررة في هذا القانون أو في قانون الأحكام العسكرية فلها اختصاص تأديبي
إلى ما لها من اختصاص جنائي .... " فإنه فضلاً عن أن المذكرة الإيضاحية لا
تنشىء اختصاصها و لا يجوز الرجوع إليها عند وضوح النص فإن الإحالة إلى
الجزاءات المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة 1966 المعدل
بالقانون رقم 5 لسنة 1968 بما فيها من جزاءات شبه جنائية إنما يشمل فقط
تلك الجزاءات المقررة للجرائم النظامية البحتة و ليست العقوبات الجنائية
بالمعنى الصحيحة و المقررة لجرائم القانون العام - و هذا المعنى واضح من
صريح عبارات نص المادة 99 المذكورة و التي لا لبس فيها و لا غموض بل هو ما
يؤكده ، نص المادة الأولى من قانون هيئة الشرطة و الذي جاء فيه أن الشرطة
هيئة مدنية نظامية بوزارة الداخلية - و ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذه
المادة و التي جاء بها " احتفظت المادة الأولى من المشروع بتعريف هيئة
الشرطة من أن الشرطة هيئة نظامية و بذلك أكدت أن هيئة الشرطة هي هيئة مدنية
فهي جهاز من الأجهزة المدنية بالدولة و ليست جهازاً عسكرياً . إلا أنها
تفترق عن غيرها من الأجهزة المدنية في أنها ليست مدنية بحتة و إنما هي هيئة
نظامية يسود تكوينها علاقات تختلف عن العلاقات المدنية البحتة و خاصة واجب
المرؤوس في طاعة رئيسه و واجب الرئيس في قيادة مرؤوسيه و السيطرة على
القوة الموضوعة تحت قيادته " .
و إذن فمتى كان ذلك . و كانت المادة 99 سالفة الذكر قد أتاحت لوزير
الداخلية - بعد أخذ رأى المجلس الأعلى للشرطة - تحديد جهات وزارة الداخلية
التي تتولى الاختصاصات المنصوص عليها في القانون المذكور كما أتاحت له
إصدار القرارات المنظمة لإنشاء السجون الخاصة بأعضاء هيئة الشرطة - فإن هذا
التفويض التشريعي ينحصر فيما نصت عليه هذه المادة و لا يجوز لوزير
الداخلية أن يتعدى نطاقه بخلق اختصاصات أخرى غير المنصوص عليها في القانون .
و إذ كان قد صدر قرار وزير الداخلية رقم 992 لسنة 1977 بتاريخ 24 من
أبريل سنة 1977 في شأن تنظيم القضاء العسكري متضمناً في المادة الأولى منه
النص على اختصاص إدارة القضاء العسكري بتنفيذ قانون الأحكام العسكرية
بالنسبة لأفراد هيئة الشرطة و من ذلك إجراء التحقيق في جرائم القانون العام
في الأحوال المنصوص عليها في المادة المذكورة و التصرف في هذه القضايا " ،
كما نص في المادة الثالثة على أن تتولى فروع الادعاء العسكري " النيابة
العسكرية " المنصوص عليها بالقانون رقم 25 لسنة 1966 و كذلك على اختصاص
المحكمة العسكرية بنظر الجنايات التي تدخل في اختصاص القضاء العسكري و
اختصاص المحكمة المركزية بنظر الجنح و المخالفات التي تقع في اختصاصها
طبقاً للقانون - فإنه يكون قد خرج بذلك عن حدود التفويض التشريعي في كل ما
نص عليه متعلقاً بجرائم القانون العام . لما كان ذلك و كان المقرر أن صحة
القرار الصادر بموجب التفويض التشريعي رهينة بعدم وجود تضاد بينه و بين نص
القانون المحدد لأوضاعه و شروطه و أنه عند التعارض بين نصين أحدهما وارد في
القانون و الآخر في لائحته التنفيذية فإن النص الأول هو الواجب التطبيق
باعتباره أصلاً للائحة- و من ثم فإن ما ورد في قرار وزير الداخلية سالف
الذكر الذي يعد خروجاً عن حدود التفويض المرسوم له في القانون لا يعتد به و
لا يكون له أي أثر على اختصاصات النيابة العامة المنصوص عليها في القانون
كاملة كما لا يكون له أدنى أثر على اختصاص المحاكم العادية صاحبة الولاية
العامة - دون سواها - بالفصل في كافة الجرائم إلا ما أستثنى بنص خاص عملاً
بالفقرة الأولى من المادة 15 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 و
يستوي في ذلك أن تكون الجريمة معاقباً عليها بموجب القانون العام أو بمقتضى
قانون خاص "
(الطعن رقم 1916 سنة قضائية 56 بجلسة 17 / 04 / 1986 )
وفي ذات الاتجاه قضت محكمة النقض بأن " محاكمة الطاعن أمام المحكمة
العسكرية لا تعدو أن تكون دعوى تأديبية ويؤيد هذا النظر صريح عبارات المادة
55 من قانون هيئة الشرطة - التي يسرى حكمها على أفراد هيئة الشرطة، ومن
بينهم الطاعن، عملا بنص المادة 77 من ذات القانون - والتي جرى نصها على أن "
........................................."
(الطعن رقم 8643 سنة قضائية 59 تاريخ الجلسة 31 / 10 / 1994 )
و قضت بأنه " إذ كان من المقرر أن التشريع لا يلغى إلا بتشريع لاحق له
أعلى منه أو مساو له في مدارج التشريع ينص صراحة على هذا الإلغاء أو يشتمل
على نص يتعارض مع نص التشريع القديم أو ينظم من جديد الموضوع الذي سبق أن
قرر قواعده ذلك التشريع ، و إذ كان الثابت أن قانوناً لاحقاً لم يصدر
استثنى أفراد هيئة الشرطة من اختصاص المحاكم العادية فيما يتعلق بجرائم
القانون العام - فإن القول بعدم اختصاص القضاء العادي بنظر الدعوى إستناداً
إلى القرار الوزاري سالف الذكر - اجتهاد غير جائز بل هو دفع قانوني ظاهر
البطلان " .
(الطعن رقم 5576 سنة قضائية 55 تاريخ الجلسة 13 / 03 / 1986 )
و من حيث إنه من المقرر قضاء " أنه يجوز الدفع بعدم مشروعية القرارات
التنظيمية العامة و ذلك بمناسبة تطبيقها في الحالات الفردية فالمبدأ الذي
استقر عليه الفقه و القضاء هو أبدية الدفع بعدم مشروعية القرارات الإدارية
التنظيمية ما بقيت هذه القرارات في البنيان القانوني للمجتمع " .
( راجع رسالة المستشار الدكتور / محمد عبد الحميد مسعود – إشكاليات
رقابة القضاء على مشروعية قرارات الضبط الادارى – الطبعة الأولى – 2007 –
مطابع هيئة الشرطة – ص 54 و مؤلف الدكتور / محمد عبد اللطيف – قانون القضاء
الادارى –الكتاب الثاني –دعوى الإلغاء – دار النهضة العربية –ط2002 ص 151
حتى 160 ) .
ومن حيث إن المستقر عليه في قضاء النقض أن " الحكم الصادر من محكمة
تابعة لجهة قضائية معينة في دعوى من اختصاص جهة قضائية أخرى يكون معيبا
بحيث يجوز التمسك بهذا العيب بطرق الطعن المقررة له و لكن متى استنفذت هذه
الطرق صار واجب الاحترام أمام محاكم الجهة التي صدر منها و لكنه يكون
معدوما لا حجية له أمام محاكم الجهة الأخرى المختصة به فإذا رفعت الدعوى
التي سبق أن فصل فيها هذا الحكم أمام الجهة المختصة به فإنها تتجاهل الحكم
السابق و تباشر اختصاصها بنظر الدعوى "
( نقض 26/11/1974 مجموعة الأحكام 25 ص 1286 ، في ذات المعنى مجموعة
القواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض في 25 عاما – الدائرة المدنية –
المكتب الفني –ج1 ص55،57 رقم 238-251 –منشور بمؤلف الدكتور / احمد مليجى
–الموسوعة الشاملة في التعليق على قانون المرافعات – الجزء الثاني –ص 62 –
الطبعة الرابعة الخاصة بنادي القضاة – 2005 ).
وحيث إن المستفاد من كل ما سبق أن المشرع الدستوري أضفى الطبيعة
المدنية على هيئة الشرطة و قد راعى طبيعتها النظامية فقرر خضوع الضباط و
أفراد تلك الهيئة لقانون الأحكام العسكرية في كل ما يتصل بقيادة القوة
النظامية تماشيا مع مهام هيئة الشرطة في حفظ الأمن و النظام بيد أن الخضوع
لقانون الأحكام العسكرية يظل كما هو استثناء من الأصل العام و هو كون ضباط و
أفراد هيئة الشرطة من المدنيين الخاضعين لولاية المحاكم العادية بحسبها
قاضيهم الطبيعي فضلا عن أن المحكمة العسكرية لأفراد هيئة الشرطة إنما هي
محكمة تأديبية في المقام الأول لكونها تحل محل مجلس تأديب الضباط وبالتالي
لا تختص بأكثر مما يختص به هذا الأخير و من ثم فإن ما درجت عليه هذه
المحاكم من الفصل في جرائم القانون العام التي يرتكبها أفراد هيئة الشرطة
استنادا إلى المذكرة الإيضاحية لقانون هيئة الشرطة و قرار وزير الداخلية
رقم 992/1977 إنما هو تجاوز لاختصاصها المقرر قانونا و غصب لولاية المحاكم
العادية و لما كان المقرر أن الاختصاص في المسائل الجنائية من النظام العام
و يجوز الدفع به لأول مرة أمام محكمة النقض لارتباطه بسلامة المحاكمة
ذاتها و من ثم فان ما يصدر عن المحكمة العسكرية لأفراد هيئة الشرطة من
أحكام بخصوص جرائم القانون العام التي يرتكبها أفراد الشرطة إنما هي و
العدم سواء بسواء بحسب أن الأحكام الخارجة عن الولاية القضائية تعد من قبيل
الأحكام المعدومة و بالتالي يجوز للأفراد بصفة عامة التمسك بعدم مشروعية
القرار الوزاري سالف البيان فضلا عن الحق في جحد أي حجية لهذه الأحكام .
وحيث إن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد استقر علي انه "ولئن كانت
الإدارة غير ملزمة بتسبيب قرارها ويفترض في القرار المسبب انه قام علي سببه
الصحيح وعلي من يدعي العكس أن يقيم الدليل علي ذلك إلا أنها إذا ذكرت
أسبابا له فأنها تكون خاضعة لرقابه القضاء الإداري للتحقق من مدى مطابقتها
أو عدم مطابقتها للقانون واثر ذلك في النتيجة التي انتهي إليها القرار
،وهذه الرقابة القانونية تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت مستخلصه
استخلاصا سائغا من أصول تنتجها ماديا وقانونا،فإذا كانت منتزعة من غير أصول
موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع علي فرض
وجودها ماديا لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون كان القرار فاقدا لركن
من أركانه هو ركن السبب ووقع مخالفا للقانون ".
(حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 5453 لسنه 41ق جلسة 5/9/2000 )
وحيث انه إعمالا لما تقدم ولما كان الثابت أن المدعي يشغل وظيفة جندي
شرطة بمديرية امن دمياط وقدم للمحاكمة العسكرية بالدعوى رقم
..........................أمام المحكمة العسكرية لأفراد هيئة الشرطة
ببورسعيد فرع دمياط بتهمة التربح من أعمال الوظيفة و السلوك المضر بالضبط و
الربط العسكري و قد عاقبته المحكمة المذكورة استنادا إلى نصوص
المواد115,118,188مكرر أ, 199مكرر من قانون العقوبات بالحبس لمدة ستة اشهر
مع النفاذ و غرامة مالية قدرها خمسون جنيها و ذلك بجلسة ...............و
قد صدر القرار المطعون عليه بإنهاء خدمة المدعى اعتبارا من تاريخ التصديق
على الحكم في ......................ولما كان ما نسب للمدعي يمثل جريمة من
جرائم القانون العام التي تدخل في اختصاص المحاكم العادية على نحو ما تقدم
وليست من الجرائم الانضباطية التي تختص بها المحاكم العسكرية وإذ صدر الحكم
المشار إليه من المحكمة العسكرية لأفراد هيئة الشرطة في جريمة من جرائم
القانون العام فإنه يكون قد صدر منعدما من محكمة لا ولاية لها بإصداره و لا
ينهض سببا سليما لإنهاء خدمة المدعى على نحو يضحي معه القرار المطعون عليه
فيما تضمنه من إنهاء خدمته مفتقرا لسنده القانوني السليم حريا بالإلغاء مع
ما يترتب على ذلك من آثار .
وحيث إن من يخسر الدعوى يلزم بمصروفاتها عملا بحكم المادة 184 مرافعات.
فلهذه الأسباب[/center
]نرى الحكم :- بإلغاء القرار المطعون فيه على النحو المبين تفصيلا
بالأسباب مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.