الحمد لله رب الأرباب سريع الحساب
الواسع الرحمة الشديد العقاب
الذى أنزل الكتاب ليتذكر أولوا الألباب
وأشهد ألا إله إلا الله منزل المطر ومسخر السحاب
وأشهد أن محمد رسول الله وأصلى عليه وعلى آله الأحباب
وعلى السائرين على الدرب المتبعين للسنة والكتاب وبعد
أشتد الخلاف حاليا على أمر النقاب وغلا بعض الناس فيه غلوا
شديدا إن دل على شىء فإنه يدل على أن بعض الناظرين فى الأمر
شديدى البعد عن التدبر لأصول الشريعة وفهم النصوص على مدار
هذه الأصول هذا مما يؤسف له وهذا ما انتشر حاليا وظهر بين الناس
مما دعا لهذه التذكرة
وبداية أقول
لاشك أن النقاب كان موجودا فى زمن التشريع والوحى
وعاصر وجوده زمن النبوة بل لعله كان قبل ذلك الزمن
والكلام ليس على إباحة النقاب وندبه هذا أمر معروف ومشهور ولاخلاف عليه
ولكن الكلام على القول بفرضية النقاب وحمل الناس على هذا المذهب المتشدد فى ذلك
وتهديد غير المنتقبة بالوعيد الشديد فإن لم يكن كذلك فلعل القائل به يخيفها
بطريقة أو بأخرى حتى يلزمها بالنقاب حتى يطمئن إلى انتشار مذهبه بطريقة أوبأخرى
وهذا يدل على التعصب الذى لامبرر له والتشدد المنفر والذى يضر أكثر مما ينفع
بل وللأسف يدل على غياب النظر الأصولى المتدبر للنصوص والقواعد الكلية للشريعة
التى يستطيع المسلم من خلالها الوصول إلى الحكم المراد والفهم الذى يدفع الناس إلى طريق الله عزوجل بغير تفريط ولاإفراط
وما دفعنى إلى الكلام فى هذه الجزئية من الشريعة حاليا إلا أمراً غاية فى الأهمية
وهو
أن الداعى وهو يتكلم ويدعو الناس لاينظر إلى الأحوال التى عليها الناس
ولاينظر إلى قرب الناس وبعدهم عن الإلتزام بأوامر الله وهذا الحال لايشغل باله على الإطلاق
والناظر فى الأحوال يجد التبرج الشديد والسفورالذى يكاد يصل إلى حد التعرى الكامل
ونفرة النساء (إلا من رحم الله) من الحجاب فضلاعن النقاب
وأن الحجاب فى نظر الكثير رجالا كانوا أو نساءً من التخلف....... والعرى والسفور من التقدم
بل ترى كثيرا من الرجال من يرفض تمام الرفض الحجاب لزوجته وبناته ويعارضهم فى ذلك معارضة شديدة
وحين يرى الداعى الحال على ما ذكرنا
فلابدله من التخفيف ما وجد لذلك سبيلا
وأقول التخفيف لا التفريط
وخصوصا وأن أعداء الإسلام وأتباعهم يتربصون بالإسلام وأهله
ولايتركون ثغرة مهما كانت صغيرة إلا وحاولوا المرور منها للطعن فى الإسلام
والداعى الواعى لابد له أن يتفهم ذلك
ولايتشدد حتى لايؤتى الإسلام من جهته
ولوكان النقاب فرضاً كما يزعم القائلون بفرضيته
فلابد من مراعاة الواقع والنظر فيما يصل به إلى مايريد برفق
فما بالك وأن القائل بفرضية النقاب خالف الأصول وقلب الموازين تماما
وتشدد فيما لايجب فيه التشدد بحال
وغالى غلوا منفرا مما فتح الطريق لأعداء الإسلام فى بيان أن الإسلام يريد أن يعيد المرأة إلى عصرالإماء وعصر الرجل
وأن المرأة تابع لا قيمة لها ولافكر
وأن مكانها البيت وحده
ولاطريق لها ولانجاة لها يوم القيامة غير ذلك
وإن فعلت خلاف ذلك فهى الآثمة المتعدية لحدود الله
ولو عاد للعصر النبوى لوجد خروج المرأة فى الحروب لمدواة الجرحى وهى أخطر المواطن التى يخشى على المرأة فيها من الوقوع فى الأسر
وما يحدث لها فيه من الإمتهان الشديد
ورغم ذلك الخطر الشديد لم يمنعها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم
وأباح لها الخروج لما فى خروجها من فوائد عديدة وأباح لها التجارة والتكسب والقيام على أموالها ومصالحها
فهلا فهم الدعاة النهج الربانى والمنهج الأصولى النبوى فى التشريع
فلو افترضنا جدلا فرضية النقاب(وهذه سأبطلها بالأدلة والقوعد الأصولية )
فلوافترضنا الفرضية المزعومة
أقول
فهلا سرت على ما سارت عليه أصول الشريعة فى التشريع والتطبيق
فمن المعروف أن التبرج والسفورعلى أشده والمحاربين للشريعة يتربصون بها
فلو نظرت أيها الداعى فى أصول التشريع
لوجدت فى زمن التشريع الأول
أن شرب الخمر من الأصول عند أهل الجاهلية والرجل الذى لايشرب الخمر
لعله لايوصف عندهم بالرجولة
بل رويت الأحاديث فى شرب الصحابة للخمر فى أول التشريع وإنتشار ذلك
كما ورد فى الحديث وهو فى صحيح البخارى ومسند أحمد وغيرهما يقول الحديث
وصنع رجل من الأنصار طعاما فدعانا فشربنا الخمر حتى انتشينا قال فتفاخرت
الأنصار وقريش فقالت الأنصار نحن أفضل منكم وقالت قريش نحن أفضل منكم فأخذ
رجل من الأنصار لحيي جزور فضرب به أنف سعد ففزره قال فكان أنف سعد مفزورا
......الحديث
والشاهدالذى أريده من الحديث شرب الأنصار والمهاجرون للخمر دون نكير
وحتى كان منادى الرسول ينادى فى الطرقات لا يقربن الصلاة سكران
وظل التشريع يأخذ بيد الناس ويتدرج التشريع
حتى جاء وقت قال الناس اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا
وانظر الأثار فى كل كتب التفسير
والنقل من عند الإمام الطبرى 5/33
حدثنا هناد بن السري قال حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي اسحق عن أبي ميسرة
قال قال عمر : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا ! قال : فنزلت الآية
التي في البقرة : { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع
للناس } [ البقرة : 219 ] قال : فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا
في الخمر بيانا شافيا ! فنزلت الآية التي في النساء : { لا تقربوا الصلاة
وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } [ النساء : 43 ] قال : وكان منادي
النبي صلى الله عليه وسلم ينادي إذا حضرت الصلاة : لا يقربن الصلاة السكران
! قال : فدعي عمر فقرئت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا !
قال : فنزلت الآية التي في المائدة : { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر
والميسر والأنصاب والأزلام رجس } إلى قوله : { فهل أنتم منتهون } فلما
انتهى إلى قوله : { فهل أنتم منتهون } قال عمر : انتهينا انتهينا ! ! -
.....انتهى
فانظر
كيف سار التشريع برفق وترفق بالناس فيما هو من عاداتهم ولا يطعن فى أصول
التوحيد حتى وصل بهم لمراتب الرقى درجة وبعد درجة حتى علا بهم إلى المقام
الذى أثنى عليهم رب الأرباب سبحانه
فهلا ترفقنا فى الدعوة ونظرنا إلى أحوال الناس ونحن ندعوهم
وعلمنا أن النظر إلى الواقع أصل أصيل من أصول الدعوة
ومعرفة ما يرقى بالناس دون أن يشعرهم بالعنت والتضييق
وخصوصا أن الواقع به من الأمور التى اعتاد الناس عليها ويصعب عليهم الخروج منها
وهى لاتطعن فى إسلامهم بحال
أقول فهلا ترفقنا وتدرجنا فى الدعوة
ولا أقول ترفقنا وتدرجنا فى التشريع
وفهمنا الأصل الأصيل
أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة
وأن إغلاق الطريق على أعداء الإسلام حتى لاينفذوا من خلال أقوالنا وأسلوبنا
الدعوى أهم من قضايا كثيرة يثيرها الدعاة بشدة ومنها قضية النقاب
هذه مقدمة لابد منها
ثم أتبعها
بإذن الله بالدراسة الأصولية التى تقول ببطلان القول القائل بفرضية النقاب
وأن القائل بفرضيته خالف كثيرا من الأصول الشرعية
وخالف الجمهور من الأكابروتشدد فيما لم يتشدد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ولى عودة إن شاء الله
والله من وراء القصد